الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} أَيْ فِيهِ عِلْمُهُ بِمَا كَانَ وَسَيَكُونُ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ. فَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِالْغَيْبِ الَّذِي لَا يعلمهُ إلَّا اللَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَهُ بِهِ كَقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحدا إلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الْآيَةَ وَقَدْ قِيلَ: أَنْزَلَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَبِك.قال ابْنُ جَرِيرٍ الطبري فِي آيَةِ النِّسَاءِ: أَنْزَلَهُ إلَيْك بِعِلْمِ مِنْهُ أَنَّك خِيرَتَهُ مِنْ خلقهِ. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ فِي آيَةِ هُودٍ قوليْنِ.أحدهما: أَنْزَلَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِإِنْزَالِهِ وَعَالِمٌ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِهِ.والثاني: أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَا أَخْبَرَ فِيهِ مِنْ الْغُيُوبِ وَدَلَّ عَلَى مَا سَيَكُونُ وَمَا سَلَفَ.قُلْت: هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي تُقَدَّمُ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ قول ابْنِ جَرِيرٍ. فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِهِ وَبِمَنْ أَنْزَلَ إلَيْهِ وَعَالِمٌ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ أَهْلٌ لِمَا اصْطَفَاهُ اللَّهُ لَهُ وَيَكُونُ هَذَا كَقوله: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وَقول مَنْ قال: {إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أَيْ عَلَى عِلْمٍ مِنْ اللَّهِ بِاسْتِحْقَاقِي.قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا نَزَلَ الْكَلَامُ بِعِلْمِ الرَّبِّ تَضَمَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ عِلْمِهِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِحَالِهِ وَحَالِ الرَّسُولِ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ.وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا كَوْنُ الثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ فَغَلَطٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يعلم الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ وَلَا مَذْمُومٌ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فَلَا يَقول أحد إنَّهُ أَنْزَلَهُ وَهُوَ لَا يعلمهُ. لَكِنْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَنْزَلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ عِلْمُهُ وَأَنَّهُ مِنْ تَنْزِيلِ الشَّيْطَانِ كَمَا قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وَالشَّيَاطِينُ هُوَ يُرْسِلُهُمْ وَيُنْزِلُهُمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنْهُ؛ وَلَا هُوَ مُنَزَّلٌ بِعِلْمِ اللَّهِ بَلْ مُنَزَّلٌ بِمَا تَقوله الشَّيَاطِينُ مِنْ كَذِبٍ وَغَيْرِهِ. وَلِهَذَا هُوَ سُبْحَانَهُ إذَا ذَكَرَ نُزُولَ القرآن قَيَّدَهُ بِأَنَّ نُزُولَهُ مِنْهُ كَقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ}، {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يعلمونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الإمام أحمد وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ القرآن كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ خلقهُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُنَزَّلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا مِنْ اللَّهِ.وقال إنَّهُ نَزَلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.وَقال أَحْمَد: كَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ شَيْئًا مِنْهُ. وَلِهَذَا قال السَّلَفُ: القرآن كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. فَقالوا: مِنْهُ بَدَأَ لَمْ يَبْدَأْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا تَقوله الْجَهْمِيَّة. يَقولونَ: بَدَأَ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي خلق فِيهِ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ عِلْمُهُ فَهُوَ حَقٌّ وَالْكَلَامُ الَّذِي يُعَارِضُهُ بِهِ خِلَافُ عِلْمِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَالشِّرْكِ الَّذِي قال اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقولونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يعلم فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.فَصْلٌ:وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ فِي أُصُولِ الدِّينِ إلَى الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مِنْ أَنَّ الْكِتَابَ بَيَّنَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي بِهَا تُعْرَفُ الْمَطَالِبُ الْإِلَهِيَّةُ وَبَيَّنَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ فِي كُلِّ مَا يَقوله هُوَ يُظْهِرُ الْحَقَّ بِأَدِلَّتِهِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ. وَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ (الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ) قَدْ صَارَ لَفْظًا مُجْمَلًا. فَكُلُّ مَنْ وَضَعَ شَيْئًا بِرَأْيِهِ سَمَّاهُ (عَقْلِيَّاتٍ) وَالْآخَرُ يُبَيِّنُ خَطَأَهُ فِيمَا قالهُ وَيَدَّعِي الْعَقْلَ أَيْضًا وَيَذْكُرُ أَشْيَاءَ أُخَرَ تَكُونُ أَيْضًا خَطًَا كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ. وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ يَحْتَجُّ فِي السَّمْعِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ أَوْ مَوْضُوعَةٍ أَوْ نُصُوصٍ ثَابِتَةٍ لَكِنْ لَا تَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِهِ. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَجْعَلُ دَلَالَةَ القرآن وَالْأَحَادِيثِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ. فَلِهَذَا يَضْطَرُّونَ إلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ أَصْلًا كَمَا يَفْعَلُ أَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو حَامِد وَالرَّازِي وَغَيْرهمْ. وَأَئِمَّة الْمُتَكَلِّمِينَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ القرآن بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا يَذْكُرُ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيّ وَغَيْره وَعَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد وَغَيْره مِنْ الْمُعْتَزِلَة. ثُمَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يَذْكُرُونَ أَدِلَّةً يَجْعَلُونَهَا أَدِلَّة القرآن وَلَا تَكُونُ هِيَ إيَّاهَا كَمَا فَعَلَ الْأَشْعَرِيّ فِي (اللُّمَعِ) وَغَيْرِهِ حَيْثُ احْتَجَّ بِخلق الإنسان وَذَكَرَ قوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخلقونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}. لَكِنْ هُوَ يَظُنُّ أَنَّ النُّطْفَةَ فِيهَا جَوَاهِرُ بَاقِيَةٌ وَأَنَّ نَقْلَهَا فِي الْأَعْرَاضِ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهَا. فَاسْتَدَلَّ عَلَى حُدُوثِ جَوَاهِرِ النُّطْفَةِ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ طَرِيقَةَ القرآن وَلَا جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ. بَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّ النُّطْفَةَ حَادِثَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحِيلَةً عَنْ دَمِ الإنسان؛ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ إلَى الْمُضْغَةِ وَأَنَّ اللَّهَ يَخلق هَذَا الْجَوْهَرَ الثَّانِيَ مِنْ الْمَادَّةِ الأولى بِالِاسْتِحَالَةِ وَيَعْدَمُ الْمَادَّةَ الأولى لَا تَبْقَى جَوَاهِرُهَا بِأَعْيَانِهَا دَائِمًا كَمَا تَقَدَّمَ. فَالنُّظَّارُ فِي القرآن ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ. مِنْهُمْ مَنْ يُعْرِضُ عَنْ دَلَائِلِهِ الْعَقْلِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِهَا لَكِنْ يَغْلَطُ فِي فَهْمِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُهَا عَلَى وَجْهِهَا كَمَا أَنَّهُمْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ فِي دَلَالَتِهِ الْخَبَرِيَّةِ. مِنْهُمْ مَنْ يَقول لَمْ يَدُلَّ عَلَى الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ. وَالْأَشْعَرِيُّ وَأمثاله بَرْزَخٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْجَهْمِيَّة. أَخَذُوا مِنْ هَؤُلَاءِ كَلَامًا صَحِيحًا وَمِنْ هَؤُلَاءِ أُصُولًا عَقْلِيَّةً ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَهِيَ فَاسِدَةٌ. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ مَالَ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ السَّلَفِيَّةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ مَالَ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْبِدْعِيَّةِ الْجَهْمِيَّة كَأَبِي الْمَعَالِي وَأَتْبَاعِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ كَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِمْ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ.إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ جَعْلَ القرآن أماما يُؤْتَمُّ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ يَقْبَلُونَ مِنْ أحد قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ القرآن بِمَعْقول أَوْ رَأْيٍ يُقَدِّمُهُ عَلَى القرآن. وَلَكِنْ إذَا عَرَضَ لِلْإِنْسَانِ إشْكَالٌ سَأَلَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ. وَلِهَذَا صَنَّفَ الإمام أحمد كِتَابًا فِي (الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّة فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ القرآن وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ). وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ يَرْجِعُونَ فِي التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ إلَى القرآن وَالرَّسُولِ لَا إلَى رَأْيِ أحد وَلَا مَعْقوله وَلَا قِيَاسِهِ.قال الأوزاعي: كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقول: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَنُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ.وقال الإمام أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُوصَفُ اللَّهُ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ لَا يَتَجَاوَزُ القرآن وَالْحَدِيثَ.وقال الشَّافِعِيُّ فِي خُطْبَةِ (الرِّسَالَةِ): الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَفَوْقَ مَا يَصِفُهُ بِهِ خلقهُ.وقال مَالِكٌ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ. وَكَانَ يَكْرَهُ مَا أحدثَ مِنْ الْكَلَامِ. وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ.وقال الشَّافِعِيُّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَيُقال: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ. وَقال: لَقَدْ اطَّلَعْت مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مَا كُنْت أَظُنُّهُ وَلَأَنْ يُبْتَلَى الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاَللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ. وَقَدْ بُسِطَ تَفْسِيرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ فِي مَوَاضِعَ وَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْكَلَامِ هُوَ كَلَامُ الْجَهْمِيَّة الَّذِي نَفَوْا بِهِ الصِّفَاتِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ بِهِ حُدُوثَ الْعَالَمِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَعْرَاضِ.وقال أَحْمَد أَيْضًا: عُلَمَاءُ الْكَلَامِ زَنَادِقَةٌ وَمَا ارْتَدَى أحد بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ. وَكَلَامُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الماجشون مَبْسُوطٌ فِي هَذَا. وَذَكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قال: لَا يَنْبَغِي لِأحد أَنْ يَنْطِقَ فِي اللَّهِ بِشَيْءِ مِنْ رَأْيِهِ وَلَكِنَّهُ يَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ.وقال أَبُو حَنِيفَةَ: أَتَانَا مِنْ خُرَاسَانَ ضَيْفَانِ كِلَاهُمَا ضالانِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُشَبِّهَةُ.وَعَنْ أَبِي عِصْمَةَ قال: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ: مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ؟ قال. مَنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمْرَ وَأَحَبَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَلَمْ يُحَرِّمْ نَبِيذَ الْجَرِّ وَلَمْ يُكَفِّرْ أحدا بِذَنْبِ وَرَأَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ يَنْطِقْ فِي اللَّهِ بِشَيْءِ.وروى خَالِدُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قال: الْجَمَاعَةُ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ: أَنْ يُفَضِّلَ أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَأَنْ يُحِبَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ. مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبِ وَأَنْ لَا يَنْطِقَ فِي اللَّهِ شَيْئًا.قلت: قوله فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَنْطِقُ فِي اللَّهِ شَيْئًا. قَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْطِقَ فِي اللَّهِ بِشَيْءِ مِنْ رَأْيِهِ وَلَكِنَّهُ يَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ..فَهَذَا ذَمٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِكُلِّ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي صِفَاتِ الرَّبِّ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ. فَكَيْفَ بالذين يَجْعَلُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لَا يُفِيدُ عِلْمًا وَيُقَدِّمُونَ رَأْيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ فَسَادِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَرَوَى هُشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ قالوا: السُّنَّةُ الَّتِي عَلَيْهَا أَمْرُ النَّاسِ أَنْ لَا يُكَفَّرَ أحد مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يَشُكَّ فِي الدِّينِ يَقول الرَّجُل: لَا أَدْرِي أَمُؤْمِنٌ أَنَا أَوْ كَافِرٌ وَلَا يَقول بِالْقَدَرِ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالسَّيْفِ وَيُقَدِّمُ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُفَضِّلُ مَنْ فُضِّلَ. وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قال: مَذْهَبُ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَنَا وَمَا أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ جَمَاعَةَ أَهْلِ الْفِقْهِ مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ أَنْ لَا يَشْتُمَ أحدا مِنْ أَصْحَابِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ وَلَا يَذْكُرَ فِيهِمْ عَيْبًا وَلَا يَذْكُرَ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَيُحَرِّفَ الْقُلُوبَ عَنْهُمْ وَأَنْ لَا يَشُكَّ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ وَأَنْ لَا يُكَفِّرَ أحدا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يُقِرُّ بِالْإِسْلَامِ وَيُؤْمِنُ بالقرآن وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَعْصِيَةِ إنْ كَانَتْ فِيهِ؛ وَلَا يَقول بِقول أَهْلِ الْقَدَرِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدِّينِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ. فَهَذَا قول أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَلَا يَنْبَغِي لِأحد أَنْ يَقول فِي هَذَا كَيْفَ وَلِمَ؟ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ السَّائِلَ عَنْ هَذَا إلَّا بِالنَّهْيِ لَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَتَرْكِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ إنْ عَادَ. وَلَا يَنْبَغِي لِأحد مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ يُخَالِطَ أحدا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ حَتَّى يُصَاحِبَهُ وَيَكُونَ خَاصَّتَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَزِلَّهُ أَوْ يَسْتَزِلَّ غَيْرَهُ بِصُحْبَةِ هَذَا.قال: وَالْخُصُومَةُ فِي الدِّينِ بِدْعَةٌ وَمَا يَنْقُضُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ. لَوْ كَانَتْ فَضْلًا لَسَبَقَ إلَيْهَا أَصْحَابُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَأَتْبَاعُهُمْ فَهُمْ كَانُوا عَلَيْهَا أَقْوَى وَلَهَا أَبْصَرُ.وقال اللَّهُ تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجِدَالِ. وَلَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَ حُجَجًا وَقال لَهُ: قُلْ كَذَا وَكَذَا.وقال أَبُو يُوسُفَ: دَعُوا قول أَصْحَابِ الْخُصُومَاتِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ فِي الْأَهْوَاءِ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة.قالوا: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قال: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلُ مِنْ على. قُلْت مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي أَمْرِ الْجِدَالِ هُوَ يُشْبِهُ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ يُشْبِهُ كَلَامَ الإمام أحمد وَغَيْرِهِ. وَفِيهِ بَسْطٌ وَتَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَلِهَذَا كَانَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ صَاحِبُ أَبِي يُوسُفَ يُحِبُّ أَحْمَد وَيَمِيلُ إلَيْهِ. فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ أَمْيَلَ إلَى الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.وَقال شَيْخُ الْإِسْلَامِ- رَحِمَهُ اللَّهُ-:فَصْلٌ:السُّورُ الْقِصَارُ فِي أواخر الْمُصْحَفِ مُتَنَاسِبَةٌ. فَسُورَةُ (اقرأ) هِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ القرآن؛ وَلِهَذَا اُفْتتحَتْ بِالْأَمْرِ بِالْقراءة وَخُتِمَتْ بِالْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَوُسِّطَتْ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أَفْضَلُ أَقْوَالِهَا وَأَوَّلُهَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ هُوَ الْقراءة وَأَفْضَلُ أَفْعَالِهَا وَآخِرُهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ هُوَ السُّجُودُ؛ وَلِهَذَا لَمَّا أُمِرَ بِأَنْ يَقرأ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا الْمُدَّثِّرُ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ فَقِيلَ لَهُ: {قُمْ فَأَنْذِرْ} فَبِالأولى صَارَ نَبِيًّا وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ رَسُولًا؛ وَلِهَذَا خُوطِبَ بِالْمُتَدَثِّرِ وَهُوَ الْمُتَدَفِّئُ مِنْ بَرْدِ الرُّعْبِ وَالْفَزَعِ الْحَاصِلُ بِعَظَمَةِ مَا دَهَمَهُ لَمَّا رَجَعَ إلَى خَدِيجَةَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ وَقال دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي فَكَأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِدْفَاءِ وَأَمْرٌ بِالْقِيَامِ لِلْإِنْذَارِ كَمَا خُوطِبَ فِي (الْمُزَّمِّلِ) وَهُوَ الْمُتَلَفف لِلنَّوْمِ لَمَّا أُمِرَ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا أُمِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالْقراءة ذَكَرَ فِي الَّتِي تَلِيهَا نُزُولَ القرآن لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَذَكَرَ فِيهَا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ وَفِي (الْمَعَارِجِ) عُرُوجَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ وَفِي (النَّبَأِ) قِيَامَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ. فَذَكَرَ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَالْقِيَامَ ثُمَّ فِي الَّتِي تَلِيهَا تِلَاوَتَهُ عَلَى الْمُنْذَرِينَ حَيْثُ قال: {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}. فهذه السُّوَرُ الثَّلَاثُ مُنْتَظِمَةٌ لِلْقرآنِ أَمْرًا بِهِ وَذِكْرًا لِنُزُولِهِ وَلِتِلَاوَةِ الرَّسُولِ لَهُ عَلَى الْمُنْذَرِينَ ثُمَّ سُورَةُ (الزَّلْزَلَةِ) و(الْعَادِيَّاتِ) و(الْقَارِعَةِ) و(التَّكَاثُرِ) مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَكل واحد مِنْ القرآن وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قِيلَ هُوَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ. ثُمَّ سُورَةُ (الْعَصْرِ) و(الْهُمَزَةِ) و(الْفِيلِ) و(لِإِيلَافِ) و(أَرَأَيْت) و(الْكَوْثَرِ) و(الْكَافِرُونَ) و(النَّصْرِ) و(تَبَّتْ) مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ الْأَعْمَالِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ سُورَةٍ خَاصَّةٌ. وَأَمَّا سُورَةُ (الْإِخْلَاصِ) و(الْمُعَوِّذَتَانِ) فَفِي الْإِخْلَاصِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَفِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ لِيُعِيذَهُ وَالثَّنَاءُ مَقْرُونٌ بِالدُّعَاءِ كَمَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي أُمِّ القرآن الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ: نِصْفُهَا ثَنَاءٌ لِلرَّبِّ وَنِصْفُهَا دُعَاءٌ لِلْعَبْدِ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَهُوَ القرآن ثُمَّ الْإِيمَانُ بِمَقْصُودِ ذَلِكَ وَغَايَتُهُ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَيْهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ: وَهُوَ الْجَزَاءُ ثُمَّ مَعْرِفَةُ طَرِيقِ الْمَقْصُودِ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْأَعْمَالُ: خَيْرُهَا لِيَفْعَلَ وَشَرُّهَا لِيَتْرُكَ.ثُمَّ خَتَمَ الْمُصْحَفَ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ كَمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ أُمُّ القرآن فَإِنَّ حَقِيقَةَ الإنسان الْمَعْنَوِيَّةَ هُوَ الْمَنْطِقُ وَالْمَنْطِقُ قِسْمَانِ: خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَأَفْضَلُ الْخَبَرِ وَأَنْفَعُهُ وَأَوْجَبُهُ مَا كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ كَنِصْفِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَأَفْضَلُ الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَأَنْفَعُهُ وَأَوْجَبُهُ مَا كَانَ طَلَبًا مِنْ اللَّهِ كَالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْن. اهـ.
|